Sabtu, 29 Januari 2011

نشأة التفسيروتطوره

جمع وترتيب:
مـحـمـد نصـرون










تحت إشراف:
فضيلة الأستاذ الدكتور أحسن سخاء محمد

قسم علوم الحديث
جامعة علوم القرآن بجاكرتا
كلية الدراسات العليا
1432هـ /2010 مـ
نشأة التفسيروتطوره
أ‌. مقدمة
الحمد لله الذي جعل لكل شئ حكما، وأنزل على عبده كتابا تبيانا، فيه من كل شئ حكمة ونبا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف الخليقة عجما وعربا، وأزكاهم حسبا ونسبا، وعلى آله وأصحابه السادة النجبا.
خطة البحث, ان هذه البحث تتكون من الفصول والمباحث, منها:
الفصل الأول : المبحث الموضوع
أ‌. معنى الموضوع
ب‌. شروط المفسرين
ت‌. أداب المفسرين
الفصل الثاني : المبحث عن طبقات المفسرين
أ‌. طبقة الصحابة
ب‌. طبقة التابعين
ت‌. طبقة تبع التبعين
ث‌. طبقة هم يتبعوت الأتبع
ج‌. طبقة المشحونة بالفوائد المنقولة عن المتقدمين
ح‌. طبقة النهضة
الفصل الثالث: المبحث عن تدوين التفسيروأنواعه
أ‌. التفسير بالمأثور
ب‌. التفسير بالرأي المحمودة
ت‌. التفسير بالرأي المذمومة
ث‌. أشهر كتب التفسير في العصر الحديث
الخاتمة

الفصل الأول: معنى الموضوع
• والطَّوْر: الحدّ بين الشيئين، والجمع أطوار، وهو الطَّوار أيضاً، من قولهم: عدّى فلانٌ طورَه، أي مبلغَ قدره, وملكتُ الأرضَ بطَوارها، أي بمنتهى دودها. وطور الدار وطَوارها: ناحيتها.
• نَشَأَ كمنع وكَرُمَ نَشْئاً ونُشُوءاً ونَشَاءً ونَشْأَةً ونَشَاءَةً , ارْتَفَعَتْ . ونُشِّىءَ
• التَّفسيرلُّغة: مأخوذ من الفَسْر، بمعنى: الإبانة، والكشف، وإظهار المعنى، يقال: فسر الشيء يفسر ـ بالكسر والضم ـ فسراً إذا أبانه وكشف غطاءه، ومنه
• معني التفسير لغة واصطلاحاً ، وبيان حكمه ، والغرض منه .
ت. شروط وأداب المفسر
لقد ذكر كثيرا من العلماء و المفسرين أن من أراد تفسير ءايات القرانية فله شروط, وأما شروط المفسِّرفي التفسيرمنها :
1. صحة الاعتقاد، فإنَّ للعقيدة أثرها في نفس صاحبها على تحريف النصوص والخيانة في نقل الأخبار.
2. التجرُّد عن الهوى، فالأهواء تدفع أصحابها إلى نصرة مذاهبهم وإنْ كانت باطلة.
3. أنْ يبدأ أولاً بتفسير القرآن بالقرآن فما أجمل في موضع فإنه قد فصل في موضع
آخر.
4. أنْ يطلب التَّفسير من السُّـنَّة فإنَّها شارحة للقرآن وموضحة له.
5. إنْ لم يجد التَّفسير في السُّـنَّة رجع إلى أقوال الصحابة فإنَّهم أدرى بذلك لما شاهدوه من
القرائن والأحوال عند نزوله.
6. فإنْ لم يجد في القرآن ولا في السُّـنَّة ولا الصحابة فأقوال التابعين؛ لأنَّهم إنَّما
يتكلّمون
في بعض ذلك بالتلقي عن الصحابة، والمعتمد في ذلك كله النقل الصحيح.
7. العلم باللُّغة العربيّة وفروعها، فإنَّ القرآن نزل بلسان عربيّ.
8. العلم بأصول العلوم المتصلة بالقرآن كـ "علم القراءات"، و"علم التّوحيد"، و"أصول
التَّفسير"، و"علم الأصول"، و"معرفة أسباب النّزول".
9. دقة الفهم التي تمكّن المفسّر من ترجيح معنى على آخر، واستنباط ما يتفق مع
النصوص الشَّرعيّة. 10. علم الموهبة
د. داب المفسِّر:
للمفسِّر آداب، نجملها فيما يأتي:
1. حسن النّية: ذلك أنَّ العلوم الشَّرعيّة ينبغي أنْ يكون هدف صاحبها منها الخير العام، فـ (إنَّما الأعمال بالنيّات).
2. حسن الخُلُق: فالمفسِّر في موقف المؤدّب، وعليه ينبغي أنْ يكون قدوة يُحتذى به.
3. الامتثال والعمل: فالعلم يجد قبولاً عند الناس إذا عمل به صاحبه.
4. تحري الصدق والضبط في النقل: فلا يكتب إلاَّ عن ثبت.
5. التَّواضع ولين الجانب: فالصلف العلميّ يحول بين العالِم والانتفاع به.
6. عزّة النّفس: فمن حقّ العالم التّرفُّع عن سفاسف الأمور.
7. الجهر بالحقّ: لأنَّ أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر.
8. حسن السَّمت: الذي يكسب المفسِّر هيبة ووقاراً.
9. الأناة والرّوية: فلا يسرد الكلام سرداً؛ بل يفسِّره، ويبيِّنه ويوضحه.
10. تقديم مَنْ هو أوْلَى منه: فلا يتصدّى للتّفسير بحضرة مَنْ هو أوْلَى منه.
11. حسن الإعداد وطريقة ألأداء: كأنْ يبدأ بذكر سبب النّزول، ثم معاني المفردات، وشرح التراكيب، وبيان وجوه البلاغة والإعراب.
الفصل الثاني: طبقات المفسير
طبقة الأولى
وكان الصحابة -رضي الله عنهم- يفهمون القرآن كذلك؛ لأنه نزل بلغتهم. وإن كانوا لا يفهمون دقائقه، يقول ابن خلدون في مقدمته: "إن القرآن نزل بلغة العرب - وعلى أساليب بلاغتهم، فكانوا كلهم يفهمونه، ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه" ولكنهم مع هذا كانوا يتفاوتون في الفهم، فقد يغيب عن واحد منهم ما لا يغيب عن الآخر.
أخرج أبو عبيد في الفضائل عن أنس: أن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} , فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها، فما الأب؟ ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو التكلف يا عمر" .
وأخرج أبو عبيد من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: كنت لا أدري ما: {فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} حتى أتاني أعرابيان يتخاصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، يقول: أنا ابتدأتها" .
ولذا قال ابن قتيبة: "إن العرب لا تستوي في المعرفة بجميع ما في القرآن من الغريب والمتشابه، بل إن بعضها يفضل في ذلك عن بعض" .
هم الصحابة. قداشتهربالتفسير من الصحابةعشرة: منهم الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وأُبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعريّ، وعبد الله بن الزّبير.
طبقة الثانية
هم التابعين. اشتهر بالتَّفسير بعض أعلام التابعين، وكانوا يعتمدون على المصادر التي جاءتهم من العصر السابق، بالإضافة إلى ما كان لهم من اجتهاد وفطرة. ففي مكة نشأت مدرسة ابن عباس، واشتهر من تلاميذه سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة مولى ابن عباس، وطاوس بن كيسان اليمانيّ، وعطاء بن أبي رباح. فقد كانوا يجلسون إلى ابن عباس ليوضّح لهم ما أشكل من معاني التَّفسير، وهم يعون عنه ما يقول، ويروون لمن بعدهم ما سمعوه منه.
وفي المدينة نشأت مدرسة أُبيّ بن كعب، ومن تلاميذه زيد بن أسلم، وأبو العالية، ومحمد بن كعب، وغيرهم.
وفي العراق نشأت مدرسة ابن مسعود التي يعدّها العلماء نواة لمدرسة أهل الرّأْي. ومن التابعين الذين عُرفوا بالتَّفسير في العراق علقمة بن قيس، ومسروق الأجدع، والأسود بن يزيد، والحسريّ،وغيرهم.
قال ابن تيمية: أعلم الناس بالتفسير أهل مكة لأنهم أصحاب ابن عباس كمجاهد وعطاء بن أبي رباح وعكرمة مولى ابن عباس وسعيد بن جبير وطاوس وغيرهم وكذلك في الكوفة أصحاب ابن مسعود وعلماء أهل المدينة في التفسير مثل زيد بن أسلم الذي أخذ عنه ابنه عبد الرحمن بن زيد ومالك بن أنس انتهى.
فمن المبرزين منهم مجاهد قال الفضل بن ميمون سمعت مجاهدا يقول عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة
عنه أيضا قال عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات أقف عند كل آية منه وأسأله عنها فيم نزلت؟ وكيف كانت؟
الطبقة الثالثة
ثم ظهرت طبقة صنّفت التَّفاسير التي تجمع أقوال الصحابة والتابعين كسفيان بن عيينة، ووكيع بن الجراح، وغيرهما.
الطبقة الرابعة
ثم جاءت بعد هؤلاء طبقات أخرى، منها ابن جرير الطّبريّ، وابن أبي حاتم، وابن ماجة، والحاكم، وغيرهم.
الطبقة الخامسة
ثم جاءت طبقة بعدهم، فصنَّفت التَّفاسير المشحونة بالفوائد المنقولة عن المتقدمين.
وقد ألَّف في التَّفسير طائفة من المتأخرين، اقتصروا الأسانيد، ونقلوا الأقوال بتراء، فدخل من هذا الدَّخيل، والتبس الصحيح بالعليل، وصار كلّ من سنح له قول يورده، ومن خطر بباله شيء يعتمده.
الطبقة السادية
ثم جاء عصر النهضة، فكان الاهتمام بالنّواحي الاجتماعيّة، والأفكار المعاصرة، والمذاهب الحديثة، ومن هؤلاء: الشيخ محمد عبده، والسيد محمد رشيد رضا، والشيخ مصطفى المراغي، وسيّد قطب .
د. تدوين التَّفسير
بدأ التّدوين في أواخر عهد بني أمية وأوائل عهد العباسيين، وحَظِيَ الحديث بالنصيب الأوفى، وشمل تدوين الحديث أبواباً متنوعة، وكان التَّفسير باباً من هذا الأبواب، فلم يفرد له تأليف خاص يفسّر القرآن سورة سورة، وآية آية. وقد اشتدت عناية جماعة من المفسِّرين بالتَّفسير المنسوب إلى النبي  وأصحابه والتابعين، وفي مقدمة هؤلاء يزيد بن هارون السلميّ 117هـ، وشعبة بن الحجاج 160هـ، ووكيع بن الجراح 197هـ، وسفيان بن عيينة، ولم يصل إلينا من تفاسيرهم شيء منظّم إلاَّ ما نُقِلَ هنا وهناك .
ثم جاء من بعد هؤلاء من أفرد التَّفسير بالتأليف، وجعله علماً قائماً بنفسه، ففسّر القرآن حسب ترتيب المصحف، وذلك كابن ماجة 273هـ، وابن جرير الطّبريّ 310هـ، وأبي بكر بن المنذر النيسابوريّ 318هـ، وابن أبي حاتم 327هـ.
قد قسم المفسرون إلى صنفين: التفسير بالمأثور وبالرأي
1. التَّفسير بالمأثور وحكمه
التَّفسير بالمأثور: هو الذي يعتمد على صحيح المنقول بالمراتب التي ذكرت في شروط المفسِّر، من تفسير القرآن بالقرآن أو بالسُّـنَّة؛ لأنَّها جاءت مبيّنة لكتاب الله أو بما رُوِيَ عن الصحابة؛ لأنَّهم أعلم الناس بكتاب الله أو بما قاله كبار التابعين؛ لأنَّهم تلقوا ذلك غالباً عن الصحابة، وقد ورد أنَّ الذين كانوا يتعلّمون القرآن كعثمان بن عفان وغيره إذا تعلّموا عن النبي  عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم، ولذلك قالوا: فتعلمنا القرآن، والعلم، والعمل، جميعاً.
وكان الاختلاف بينهم لا يعدو أنْ يكون اختلافاً في التعبير مع اتحاد المعنى، نحو تفسيرهم : [الفاتحة: 6]. فقد قال البعض: هو القرآن، وقال البعض: هو الإسلام، فالقولان متفقان؛ لأنَّ دين الإسلام هو القرآن.
أمَّا من حيث الحكم؛ فإنَّ التَّفسير بالمأثور يجب اتّباعه والأخذ به؛ لأنَّه طريق المعرفة الصحيح. وقد ورد عن ابن عباس قوله: التَّفسير على أربعة وجوه: "وجه تعرفه العرب من كلامها، ووجه لا يعذر أحد بجهله، ووجه يعلمه العلماء، ووجه لا يعلمه إلاَّ الله".
فالذي تعرفه العرب يرجع إلى لسانهم ببيان اللُّغة، والذي لا يعذر أحد بجهله ما يتبادر فهم معناه من النصوص التي لا لبس فيها، نحو قوله تعالى:
[محمد: 19] . وأمَّا ما يعلمه العلماء؛ فهو الذي يرجع إلى اجتهادهم المعتمد على الشواهد والدلائل دون مجرد الرَّأْي من بيان مجمل أو تخصيص عام، وأمَّا الذي لا يعلمه إلاَّ الله؛ فهو المغيبات كحقيقة قيام الساعة، وحقيقة الروح.
أ. معرفة التفسير بالمأثور ومنهجه
1. الإمام الطّبريّ:
هو أبو جعفر محمد بن جرير بن زيد بن كثير بن غالب الطّبريّ، الإمام الجليل والمجتهد المطلق. وُلِدَ بطبرستان سنة 224هـ، ثم رحل في طلب العلم وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وطوّف في الأقاليم ثم ألقى عصاه واستقرّ ببغداد، وبها توفى سنة 310هـ.
هذا ويقع تفسيره المسمَّى بـ (جامع البيان في تفسير القرآن) في ثلاثين جزءً.
أمَّا منهجه؛ فتتجلّى في أنَّه إذا أراد أنْ يفسِّر آية من القرآن يقول: القول في تأويل قوله كذا وكذا، ثم يفسِّر آية ويستشهد على ما قاله بما يرويه بسنده إلى الصحابة أو التابعين من التَّفسير المأثور عنهم في هذه الآية، وإذا كان في الآية قولان أو أكثر فإنَّه يعرض لكل ما قيل فيها ويستشهد على كل قول بما يرويه في ذلك عن الصحابة أو التابعين، ثم هو لا يقتصر على مجرد الرّواية؛ بل يتعرَّض لتوجيه الأقوال ويرجّح بعضها على بعض، ويتعرَّض لناحية الإعراب إذا دعت الحال إلى ذلك، ويستنبط الأحكام التي يمكن أنْ تؤخذ من الآية، مع توجيه الأدلة وترجيح ما يختار، ويعني بالقراءات، ويرجّح بعضها على بعض، وذلك لمعرفته بجميع القراءات، ثم هو يخاصم بقوة أصحاب التَّفسير بالرَّأْي، ويدعو إلى العلم الراجع إلى الصَّحابة والتَّابعين .
2. السمرقنديّ:
هو أبو الغيث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقنديّ الفقيه الحنفي، المعروف بإمام الهدى، المتوفى سنة 375هـ.
يقع تفسيره المُسمَّى بـ (بحر العلوم) في ثلاثة مجلدات، وهو موجود بدار الكتب المصريّة.
أمَّا منهجه ؛ فإنَّه يفسِّر القرآن بالمأثور عن السلف، فيسوق الرّوايات عن الصحابة والتابعين، ولكنه لا يذكر إسناده إلى مَنْ يروي عنهم، وإذا ذكر الأقوال والروايات المختلفة لا يعقّب عليها ولا يرجِّح ـ كما يفعل ابن جرير الطّبريّ ـ.
وبالجملة فالكتاب قيّم، جمع فيه صاحبه بين التَّفسير بالرّواية والتَّفسير بالدّراية، وغلب الجانب النقليّ فيه على الجانب العقليّ، ومن هنا عُدّ من كتب التَّفسير بالمأثور.
3. الثعلبيّ:
هو أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم الثعلبيّ النيسابوريّ، المقرئ المفسِّر، كان حافظاً واعظاً، رأساً في التَّفسير والعربيّة، متين الدّيانة، توفى ـ رحمه الله تعالى ـ سنة 427هـ.
وقد سمَّى تفسيره (الكشف والبيان عن تفسير القرآن)( ).
تحدَّث المؤلّف عن منهجه وطريقته فذكر اختلافه على العلماء منذ الصغر، واجتهاده في الاقتباس من علم التفسير الذي هو أساس الدِّين ورأس العلوم الشَّرعيّة، ومواصلته ظلام الليل بضوء الصباح، بعزم أكيد وجهد جهيد، حتى رزقه ما عرف به الحقّ من الباطل، والمفضول من الفاضل، والحديث من القديم، والبدعة من السُّـنَّة، والحُجَّة من الشُّبهة.
وظهر له أنَّ المصنفين في التَّفسير فِرَق على طُرق مختلفة، فرقة أهل البدع والأهواء، وفرقة أحسنت التأليف إلاَّ أنَّها خلطت أباطيل المبتدعين بأقوال السلف من الصالحين، وفرقة أقتصر أصحابها على الرواية والنقل دون الدّراية والنقد، وفرقة حذفت الإسناد الذي هو الركن والعماد، وفرقة جرّدت التَّفسير من الأحكام، وبيان الحلال والحرام.
وبعد، فإنَّ الذي يُفهم من كلام المؤلّف أنَّه ملتزم مذهب السلف في التَّفسير بالمأثور. هذا ويوجد التفسير المذكور بمكتبة الأزهر، مخطوطاً غير كامل.
4. البغويّ:
هو أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد المعروف بالفراء( )، والبغويّ الفقيه الشافعيّ، المحدّث المفسِّر، الملقب بـ "محي السُّـنَّة" و"ركن الدِّين"، المتوفى سنة 516هـ.
وتفسيره هذا متوسط، سمَّاه (معالم التّنزيل) نقل فيه عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وكان البغويّ سالكاً سبيل السلف. صنَّف في تفسير كلام الله، وأوضح المشكلات في قول النبي ، وروى الحديث واعتنى بدراسته، وصنَّف كتباً كثيرة، فمن تصانيفه: "شرح السُّـنَّة في الحديث"، و"المصابيح في الحديث"، و"الجمع بين الصحيحين"، و"التهذيب في الفقه"، وقد بورك له في تصانيفه، ورُزِق فيها القبول، لحسن نيته( ).
5. ابن عطية الأندلسيّ:
هو أبو محمد عبد الحقّ بن غالب بن عطية الأندلسيّ المغربيّ الغرناطيّ، وُلِدَ بالأندلس سنة 481هـ، وتوفى سنة 546هـ، وقد خلّف من المؤلفات كتاب التَّفسير المُسمَّى بـ (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز)، وغيره من المؤلفات المفيدة.
إنَّ تفسير ابن عطية تفسير له قيمته العالية بين كتب التَّفسير، وعند جميع المفسِّرين، وذلك راجع إلى أنَّ مؤلّفه أضفى عليه من روحه العلميّة الفياضة ما أكسبه دقة ورواجاً وقَبولاً، وقد لخّصه مؤلّفه من كتب التَّفسير كلها، وتحرّى ما كان أقرب إلى الصحة منها، ووضع الكلّ في كتاب متداول بين أهل المغرب والأندلس( ).
إنَّ تفسير ابن عطية يقع في عشرة مجلدات كبار.
أمَّا منهج صاحبه؛ فإنَّه يذكر الآية، ثم يفسِّرها بعبارة عذبة سهلة، ويورد من التَّفسير بالمأثور ويختار منه في غير إكثار، وينقل عن ابن جرير الطّبريّ، ويناقش المنقول عنه أحياناً، وهو كثير الاستشهاد بالشعر العربيّ، كثير الاحتكام إلى اللُّغة العربيّة، والاهتمام بالصناعة النّحويّة، كما أنَّه يتعرّض كثيراً للقراءات.
يقول ابن تيمية: "تفسير ابن عطية خيرٌ من تفسير الزمخشريّ، وأوضح نقلاً وبحثاً، وأبعد عن البدع وإنْ اشتمل على بعضها"( ).
6. ابن كثير:
هو الإمام الجليل الحافظ عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير البصريّ ثم الدمشقيّ، الفقيه الشافعيّ، قَدِمَ دمشق وله سبع سنين مع أخيه بعد موت أبيه. قال عنه الداودي في "طبقات المفسِّرين": "كان قدوة العلماء والحُفَّاظ، وعمدة أهل المعاني والألفاظ"( ).
كان مولده سنة 700هـ أو بعدها بقليل، وتوفى سنة أربع وسبعين وسبعمائة، ودُفِنَ بمقبرة الصوفيّة عند شيخه ابن تيمية.
يُعَدُّ تفسير ابن كثير المُسمَّى بـ (تفسير القرآن العظيم) من أشهر ما دُوِّنَ في التَّفسير المأثور، ويأتي في المرتبة الثانية بعد تفسير ابن جرير.
يمتاز ابن كثير في طريقته بأنَّه يذكر الآية ثم يفسّرها بعبارة سهلة موجزة، وإنْ أمكن توضيح الآية بآية أخرى ذكرها وقارن بين الآيتين حتى ينتهي المعنى ويظهر المراد، وهو شديد العناية بهذا النوع من التَّفسير الذي يُسمونه (تفسير القرآن بالقرآن)، ثم بعد أنْ يفرغ من هذا كلّه يشرع في سرد الأحاديث المرفوعة التي تتعلّق بالآية، ويبيِّن ما يُحتج به وما لا يُحتج به منها، ثم يردف هذا بأقوال الصحابة والتابعين ومَنْ يليهم من علماء السلف.
7. الثعالبيّ:
هو أبو يزيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبيّ الجزائريّ المغربيّ المالكيّ، الإمام الحُجَّة العامل، توفى سنة 876هـ( ).
يقول الثعالبيّ رحمه الله متحدّثاً عن تفسيره المُسمَّى (الجواهر الحسان في تفسير القرآن): "فإني قد جمعت لنفسي ولك في هذا المختصر ما أرجو أنْ يُقِرّ به عيني وعينك في الدارين، فقد ضمّنته بحمد الله المهم مما اشتمل عليه تفسير ابن عطية، وزدته فوائد جمة من غيره من كتب الأئمة وثقات أعلام هذه الأُمَّة".
وجملة القول فإنَّ تفسير الثعالبيّ جامع لخلاصات كتب مفيدة، وليس فيه ما في غيره من الحشو المخلّ، والاستطراد المملّ، وهو عبارة عن مختصر لتفسير ابن عطية مع زيادة نقول من السابقين من المفسِّرين، وهو مطبوع في الجزائر في أربعة أجزاء.
8. السيوطيّ:
هو الحافظ جلال الدّين أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطيّ الشافعيّ، صاحب المؤلَّفات النافعة، وُلِدَ في رجب سنة 849 هـ، وتوفي في سحر ليلة الجمعة التاسع عشر من جمادى الأولى 911هـ( ).
إنَّ السيوطيّ اختصر كتابه المُسمَّى بـ (الدُّر المنثور في التَّفسير بالمأثور) من كتابه (ترجمان القرآن) الذي ألَّفه في وقت سابق، وضمّنه بضعة عشر ألف حديث ما بين مرفوع وموقوف، ثم عاد فحذف الأسانيد في الدُّر المنثور مخافة الملل، وكلّ ما في الكتاب سرد الروايات عن السلف في التَّفسير بدون أنْ يعقّب عليها، فلا يعدّل، ولا يخرّج، ولا يضعّف، ولا يصحّح، فهو كتاب جامع فقط لِمَا يروى عن السلف في التَّفسير أخذه السيوطيّ من البخاريّ، ومسلم، والنسائيّ، والترمذيّ، وأحمد، وأبي داود، وابن جرير، وغيرهم ممَنْ تقدّمه. فالكتاب يحتاج إلى تصفية حتى يتميّز غثّه من سمينه، وهو مطبوع في ستة مجلدات.
2. معرفة التَّفسير بالرَّأْي ومنهجه
معنى الرَّأْي:
يطلق الرَّأْي على الاعتقاد، وعلى الاجتهاد، وعلى القياس.
وعليه فالتَّفسير بالرَّأْي هو تفسير القرآن بالاجتهاد بعد معرفة المفسِّر لكلام العرب ومناحيهم في القول.
وقد اختلف العلماء في جواز تفسير القرآن بالرَّأْي، فمنعه بعضهم منعاً باتاً، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: [الأعراف: 33]، ووجه الاستدلال أنَّ التَّفسير بالرَّأْي قول على الله بغير علم، وبقوله تعالى [الأعراف: 36].
والتَّفسير بالرَّأْي داخل في هذا المنهي عنه، وعليه يكون التَّفسير بالرَّأْي ظناً، والظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً، وبقوله تعالى [النحل: 44]. فقد أضاف البيان إليه النبي فعلم أنَّه ليس لغيره شيء من البيان لمعاني القرآن، وبالحديث الذي رواه الترمذيّ، وقال عنه: "هذا حديث حسن"، ونص الحديث عن رسول الله أنَّه قال: (مَنْ قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)( ).
وقد أجاب المجيزون عن الدليل الأول والثاني بقولهم: إنَّ الظنّ المنهي عنه هو الذي يؤخذ به مع إمكان الوصول إلى العلم اليقينيّ القطعيّ بأنْ يوجد نص قاطع من نصوص الشَّرع أو دليل عقليّ موصل إلى ذلك، أمَّا إذا لم يوجد شيء من ذلك، فالظنّ كافٍ هنا لاستناده إلى دليل قطعيّ من الله تعالى على صحة العمل به إذ ذاك، كقوله تعالى [البقرة: 286]، وبقوله  لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: (بم تحكم؟) قال: بكتاب الله، قال: (فإنْ لم تجد؟) قال: بسُنَّة رسول الله، قال: (فإنْ لم تجد؟) قال: أجتهد رأيي. فضربه رسول الله  على صدره، وقال: (الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله، لما يرضي رسول الله)( ).
أنَّ التَّفسير بالرَّأْي قسمان:
قسم مذموم غير جائز وقسم ممدوح جائز.
وأنَّ القسم الجائز محدود بحدود، ومقيّد بقيود، ومن هذه القيود ما أشار إليه أهل العلم من الأدوات التي إذا توفّرت في المفسِّر وتكاملت فيه، فإنَّه يخرج عن كونه مفسِّراً للقرآن بمجرّد الرَّأْي ومحض الهوى.
من هذه الحدود والقيود ما يأتي:
1. علم اللُّغة: الذي يمكن شرح مفردات الألفاظ ومدلولاتها بحسب الوضع.
2. علم النَّحو: لأنَّ المعنى يتغيّر ويختلف باختلاف الإعراب
3. علم الصَّرف: الذي بوساطته نعرف الأبنية والصِّيغ، فقد ذكروا من بدع التَّفاسير قول مَنْ قال: إنَّ الإمام في قوله تعالى: [الإسراء: 71]، جمع أم وأنَّ الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم دون آبائهم، وهذا غلط أوجبه جهله بالصَّرف، فإنَّ أمّاً لا تجمع إمام.
4. معرفة الاشتقاق: لأنَّ الاسم إذا كان اشتقاقه من مادتين مختلفتين اختلف باختلافهما، كالمسيح مثلاً، هل هو من السياحة أو من المسح.
5. علوم البلاغة الثلاثة: وهي (المعاني)، و(البيان)، و(البديع): فالمعاني يعرف به خواص تراكيب الكلام من جهة إفادتها المعنى، والبيان يُعرف به خواص التراكيب من حيث اختلافها بحسب وضوح الدّلالة وخفائها، والبديع يعرف به وجوه تحسين الكلام.
6. علم القراءات: الذي به يمكن ترجيح بعض الوجوه المحتملة على بعض.
[7. علم أصول الدِّين: الذي به يستطيع المفسِّر أنْ يستدل على ما يجب في حقّه تعالى، وما يجوز، وما يستحيل.
8. علم أصول الفقه: الذي يتوقّف عليه استنباط الأحكام من الآيات، وبه يُعرف الإجمال والتبيين، والعموم والخصوص، والإطلاق والتّقييد، ودلالة الأمر والنهي.
9. علم أسباب النزول: إذ إنَّ معرفة السبب تعين على فهم المراد من الآية.
10. علم القصص: لأنَّ معرفة القصة تفصيلاً تعين على توضيح ما أجمل منها في القرآن.
11. علم النّاسخ والمنسوخ: وبه يعلم المحكم من غيره.
12. الإلمام بالأحاديث المبيّنة لتفسير المجمل: ليستعين بها على توضيح ما أشكل عليه.
13. علم الموهبة: وهذا علم يورثه الله تعالى لمن عمل بما علم، وإليه الإشارة بقوله تعالى
[البقرة: 282]

2. معرفة من كتب المفسِّرين بالرَّأْي ومنهجهم
[1] مفاتيح الغيب
لأبي عبد الله محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي التميميّ البكريّ الطبرستانيّ الرازيّ، الملّقب بفخر الدِّين، والمعروف بابن الخطيب، الشافعيّ، المولود سنة 544هـ، كان إماماً في التَّفسير، والكلام، والعلوم العقليّة، وعلوم اللُّغة، ولقد أكسبه نبوغه العلميّ شهرة عظيمة، الأمر الذي جعل العلماء يشدون إليه الرحال من مختلف الأقطار.
يقع تفسير الإمام الرازيّ في واحد وثلاثين جزءً، وهو مطبوع ومتداول بين أهل العلم، ويمتاز عن غيره من كتب التَّفسير بالأبحاث الفياضة الواسعة في نواح شتى من العلوم.
قال عنه ابن خلكان في "وفيات الأعيان": " إنه ـ يعني الفخر الرازيّ ـ جمع فيه كل غريب وغريبة"( ).
والحقّ أنَّ الذي يقرأ تفسير الإمام الرازيّ يجده يمتاز بذكر المناسبات بين الآيات بعضها مع بعض، وبين السور بعضها مع بعض، كما أنَّه يكثر من الاستطراد إلى العلوم الرياضيّة الطبيعيّة، ولا يكاد يمرّ بآية من آيات الأحكام إلاَّ ويذكر مذاهب الفقهاء فيها، مع ترويجه لمذهب الإمام الشافعيّ الذي يقلّده بالأدلة والبراهين، توفى ـ رحمه الله تعالى ـ سنة606هـ.
[2] أنوار التَّنزيل وأسرار التَّأويل
لناصر الدين أبي الخير عبد الله بن عمر بن محمد بن علي البيضاويّ الشافعيّ، وهو من بلاد فارس، توفى بمدينة تبريز سنة 691هـ.
تفسير البيضاويّ تفسير متوسط الحجم، جمع فيه بين التَّفسير والتَّأويل على مقتضى قواعد اللُّغة العربيّة، وقرّر فيه الأدلة على أصول أهل السُّـنَّة، وقد اقتصره من تفسير (الكشّاف) للزمخشريّ، ولم يقع فيما وقع فيه الزمخشريّ من الاعتزالات، وهو مقلّ من ذكر الروايات الإسرائيلية( ).
قال عنه السيوطيّ: "إنَّ القاضي ناصر الدين البيضاويّ لخّص هذا الكتاب فأجاد، وأتى بكلّ مستجاد، وماز فيه أماكن الاعتزال، وطرح موضع الدسائس وأزال، وحرّر مهمات، واستدرك تتمات، فظهر كأنَّه سبيكة نصار، واشتهر اشتهار الشمس في رابعة النَّهار، وعكف عليه العاكفون، ولهج بذكر محاسنه الواصفون، وذاق طعم دقائقه العارفون، فأكبّ عليه العلماء تدريساً ومطالعة، وبادروا إلى تلقيه بالقَبول رغبة فيه ومسارعة"( ).
[3] مدارك التَّنزيل وحقائق التَّأويل
لأبي البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النَّسفيّ( )، الحنفيّ، أحد الزُّهاد المتأخرين والأئمة المعتبرين، كان إماماً كاملاً، عديم النظير في زمانه، رأساً في الفقه والأصول، بارعاً في الحديث ومعانيه، بصيراً بكتاب الله تعالى.
وقد لخَّص ـ رحمه الله تعالى ـ طريقته في تفسيره في العبارات الآتية، حيث يقول: "قد سألني مَنْ تتعيّن إجابته كتاباً وسطاً في التَّأويلات، جامعاً لوجوه الإعراب والقراءات، متضمّناً لدقائق علمي البديع والإشارات، حالياً بأقاويل أهل السُّـنَّة والجماعة، خالياً من أباطيل أهل البدع والضلالة، ليس بالطويل المملّ، ولا بالقصير المخلّ".
كانت وفاة النسفيّ ـ رحمه الله تعالى ـ سنة 701هـ، ودُفِنَ ببلدته (أيذج)( ).
هذا وقد اختصر النسفيّ تفسيره من تفسير البيضاويّ والكشّاف، غير أنَّه ترك ما في (الكشّاف) من الاعتزالات، وجرى فيه على مذهب أهل السُّـنَّة والجماعة.
[4] لباب التَّأويل في معاني التَّنزيل
مؤلّف هذا التَّفسير علاء الدين أبو الحسن على بن محمد البغداديّ، الشافعيّ، الصوفيّ، المعروف بـ (الخازن)، اشتهر بذلك لأنَّه كان خازن كتب بدمشق، وُلِدَ سنة 678هـ.
يقال: إنَّه اختصر تفسيره من (معالم التّنزيل) للبغويّ، وضم إليه ما نقله ولخّصه من تفاسير مَنْ تقدّم عليه، وليس فيه ـ كما يقول ـ: "سوى النَّقل والانتخاب، مع حذف الأسانيد وتجنُّب التَّطويل والإسهاب". توفى ـ رحمه الله تعالى ـ سنة 741هـ بمدينة حلب( ).
ومما تجدر الإشارة إليه أنَّه قدّم لتفسيره بخمسة فصول:
الفصل الأول: في فضل القرآن، وتلاوته، وتعليمه.
الفصل الثاني: في وعيد مَنْ قال في القرآن برأيه من غير علم، ووعيد مَنْ أوتي القرآن فنسيه ولم يتعهده.
الفصل الثالث: في جمع القرآن، وترتيب نزوله، وفي كونه نزل على سبعة أحرف.
الفصل الرابع: في كون القرآن نزل على سبعة أحرف، وما قيل في ذلك.
الفصل الخامس: في معنى التَّفسير والتَّأويل.
ثم ابتدأ بعد ذلك في التَّفسير .
[5] البحر المحيط
لأثير الدين أبي عبد الله محمد بن يوسف بن علي بن يوسف ابن حيان، الأندلسيّ، الغرناطيّ، المولود سنة 654هـ، كان ـ رحمه الله ـ ملماً بالقراءات، صحيحها وشاذها، توفى سنة 745هـ( ).
يقع تفسيره في ثماني مجلدات كبار، وهو مطبوع ومتداول بين أهل العلم، ومعتبر عندهم المرجع الأول والأهم لمن يريد أنْ يقف على وجوه الإعراب لألفاظ القرآن الكريم، إذ إنَّ الناحية اللُّغويّة هي أبرز ما فيه من البحوث التي تدور حول آيات القرآن الكريم، إلاَّ أنَّه مع ذلك لم يهمل ما عداها من النواحي التي لها اتصال بالتَّفسير، فهو يتكلّم عن المعاني ويذكر أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والقراءات، والنواحي البلاغيّة، والفقهيّة عندما يمرّ بآيات الأحكام، مع ذكره لِمَا جاء عن السلف ومَنْ تقدّمه من الخَلَف في ذلك.
هذا وإنَّ أبا حيان يعتمد في أكثر نقول كتابه على كتاب (التَّحرير والتَّحبير) لأقوال أئمة التَّفسير الذي جمعه جمال الدين أبو عبد الله المعروف بابن النقيب، إذ هو أكبر كتاب صنّف في علم التَّفسير، يبلغ في العدد مائة سفراً أو ما يقرب من ذلك، ولا يوافق ابن حيان صاحب الكتاب فيما نقله عن غلاة الصوفيّة.
[6] غرائب القرآن ورغائب الفرقان
لمؤلّفه العلاّمة الشهير نظام الدين الحسن بن محمد الحسين الخراسانيّ، النيسابوريّ. كان ـ رحمه الله تعالى ـ من أساطين العلم، ملماً بالعلوم العقليّة، جامعاً لفنون اللُّغة العربيّة، له القدم الرّاسخ في صناعة الإنشاء والمعرفة الوافرة بعلم التَّأويل والتَّفسير، وهو معدود في عداد كبار الحُفّاظ والمقرئين، أمّا تاريخ وفاته فلم يعثر عليه، وكلّ ما عثر عليه أنَّه من علماء رأس المائة التاسعة على قرب من درجة الحافظ ابن حجر وقرنائه من علماء ذلك العصر.
اختصر النيسابوريّ تفسيره من (التَّفسير الكبير) للفخر الرازيّ، وضمّ إلى ذلك جلّ ما جاء في (الكشّاف) وغيره من التَّفاسير، وما فتح الله به عليه من الفهم لمحكم كتاب الله، كذلك ضمّنه ما ثبت لديه من تفاسير سلف هذه الأُمَّة من الصحابة والتابعين.
ومما يلاحظ على تفسير النيسابوريّ أنَّه بعد أنْ يفرغ من تفسير الآية يتكلّم عن التَّفسيرات الإشاريّة للآيات القرآنيّة التي يفتح الله بها على عقول أهل الحقيقة من المتصوفة، ـ هكذا يقول ـ.
وليس في تفسيره ما يدلُّ على تشيُّعه، هذا والكتاب مطبوع على هامش تفسير ابن جرير، ومتداول بين أهل العلم( ).
[7] تفسير الجلالين
وهو للإمامين الجليلين: جلال الدين المحلى، وجلال الدين السيوطيّ.
أمَّا السيوطيّ فقد سبق التَّعريف به عند الكلام على تفسيره المُسمَّى (الدُّر المنثور). وأمَّا جلال الدين المحلى؛ فهو جلال الدين محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم المحلى، الشافعيّ، تفتازانيّ العرب، الإمام العلاّمة، وُلِدّ بمصر سنة 791هـ، وبرع في الفنون: فقهاً، وكلاماً، وأصولاً، ونحواً، ومنطقاً، وغيرها.
كان آية في الذكاء والفهم، حتى كان بعض أهل عصره يقول فيه: "إنَّ ذهنه يثقب الماز"، وكان يقول عن نفسه: "إنَّ فهمه لا يقبل الخطأ، ولم يك يقدر على الحفظ. توفى ـ رحمه الله تعالى ـ سنة 864هـ( ).
ومما ينبغي أنْ ينبّه عليه أنَّ الجلال المحلى ابتدأ تفسيره من أول سورة الكهف إلى آخر سورة الناس، ثم ابتدأ بتفسير سورة الفاتحة، وبعد أنْ أتمّها داهمته يد المنون، ثم جاء الجلال السيوطيّ فابتدأ بتفسير سورة البقرة، وانتهى عند آخر سورة الإسراء، ووضع تفسير الفاتحة عند آخر تفسير الجلال المحلى ليكون ملحقاً به.
ولا يلمس بين الرجلين فرق واضح في طريقة تفسيرهما، إذ إنَّ تفسيرهما غاية في الاختصار، مما دفع بعض علماء اليمن أنْ يقول: "إنَّه عدّ حروف القرآن وتفسير الجلالين فوجدهما متساويين إلى سورة المزمل، ومن سورة المدثر التَّفسير زائد على القرآن، ومن قالوا: يجوز حمله بغير وضوء"( ).
[8] السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير
مؤلف هذا التَّفسير هو العلاّمة شمس الدين محمد بن محمد الشربينيّ، القاهريّ، الشافعيّ، الخطيب.
كان ـ رحمه الله تعالى ـ على جانب عظيم من الصلاح والورع، وقد أجمع أهل مصر على ذلك، ووصفوه بالعلم والعمل، والزهد والورع، وكثرة التّنسُّك والعبادة. وكان من عادته أنْ يعتكف من أول رمضان فلا يخرج من الجامع إلاَّ بعد صلاة العيد، وكان إذا حجّ لا يركب إلاَّ بعد تعب شديد.
توفى في عصر يوم الخميس ثاني شعبان سنة 977هـ.
قال عن تفسيره عند الخاتمة: "فدونك تفسير كأنَّه سبيكة عسجد أو در منضد، جمع من التفاسير معظمها، ومن القراءات متواترها، ومن الأقاويل أظهرها، ومن الأحاديث صحيحها وحسنها، محرر الدلائل في هذا الفن، مظهراً لدقائق استعملنا الفكر فيها إذا الليل جنّ...".
وهو مطبوع في أربعة أجزاء كبار ومتداول بين أهل العلم لِمَا فيه من السهولة، والجمع لخلاصة التَّفاسير التي سبقته، مع الدقة والإيجاز.
[9] إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم
مؤلف هذا التَّفسير هو أبو السعود محمد بن محمد بن مصطفى العماديّ الحنفيّ، المولود في سنة 893هـ.
إنَّ تفسير أبي السعود غاية في بابه، ونهاية في حسن الصوغ وجمال التَّعبير، كشف فيه صاحبه عن أسرار البلاغة القرآنية بما لم يسبقه أحد عليه. ومن أجل ذلك ذاعت شهرة هذا التَّفسير بين أهل العلم، وشهد له كثير من العلماء بأنَّه خير ما كُتب في التَّفسير. وهو يقع في خمسة أجزاء متوسطة الحجم.
[10] روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني
مؤلفه شهاب الدين السيد محمود الأفنديّ، الألوسيّ( )، البغداديّ، وُلِدَ في سنة 1217هـ، في جانب الكرخ من بغداد. كان ـ رحمه الله تعالى ـ شيخ العلماء في العراق، وآية من آيات الله العظام، ونادرة من نوادر الأيام، جمع كثيراً من العلوم حتى أصبح علاّمة في المعقول والمنقول، فهّامة في الفروع والأصول، محدّثاً لا يجارى، ومفسّراً لكتاب الله لا يبارى.
إنَّ تفسير الألوسيّ يُعَدُّ تفسيراً جامعاً لآراء السلف رواية ودراية، مشتملاً على أقوال الخَلَف بكل أمانة وعناية، فهو جامع لخلاصة ما سبقه من التَّفاسير. إنَّه ينقل عن ابن عطية، وعن ابن حيان، وعن الكشّاف، وعن أبي السعود، والبيضاويّ، وعن الفخر الرازيّ، وغيرها من كتب التَّفسير المعتبرة.
وهو إذ نقل عن تفسير أبي السعود يقول غالباً: قال شيخ الإسلام، وإذا نقل عن البيضاويّ يقول: قال القاضي، وإذا نقل عن الفخر الرازيّ يقول: قال الإمام.
وهو إذ ينقل عن هذه التفاسير ينصب نفسه حكماً عدلاً بينها، ويجعل من نفسه نقّاداً مدقّقاً، ثم يبدي رأيه حُرَّاً فيما ينقل.
توفى ـ رحمه الله تعالى ـ يوم الجمعة الخامس والعشرين من ذي القعدة 1270هـ( ). يقع تفسير الألوسيّ في ثلاثين جزءً.
3. التَّفسير بالرّأي المذموم
هو تفسير الفِرَق المبتدعة، فقد صح عن رسول الله  أنَّه قال: (ستفترق أمتي ثلاثاً وسبعين فرقة، كلها في النار إلاَّ واحدة، هي ما عليه أنا وأصحابي)( ).
وقد حقّق الله تعالى نبوته، فافترقت الأُمَّة إلى أحزاب مختلفة، كل حزب بما لديهم فرحون، ويُعَدُّ من هذه الفِرَق (المعتزلة)، و(الشيعة)، و(الخوارج)، و(الجبريّة)، و(الباطنيّة)، و(المشبهة)، وغيرهم.
وهاك أمثلة للتفسير المذموم:
[1] يرى المعتزلة أنَّ مرتكب الكبيرة إذا مات ولم يتب لا يجوز أنْ يعفو الله عنه؛ لأنَّه أوعد بالعقاب على الكبائر، ووعد بالثواب على الطاعات، والعقاب على المعاصي قانون حتميّ التزم الله به. ومن هنا قالوا: إنَّ مرتكب الكبيرة مخلّد في النار، ولو صدق بوحدانية الله وآمن برسله لقوله تعالى [البقرة: 81].
[2] يرى بعض السبئية ـ وهم جماعة عبد الله بن سبأ اليهوديّ الذي تظاهر بالإسلام ـ أنَّ علياً  في السحاب، وعلى هذا يفسِّرون الرعد بأنَّه صوت علي، والبرق بأنَّه لمعان صوته أو تبسُّمه. ولهذا كان الواحد منهم إذا سمع صوت الرعد يقول: عليك السلام يا أمير المؤمنين.
[3] يزعم المغيرة بن سعيد العجليّ أنَّ المراد بالشيطان في قوله تعالى
[الحشر: 16]، عمر .
[4] يزعم أبو منصور العجليّ زعيم المنصوريّة المعروف بـ (الكشف) أنَّه عرج إلى السماء، وأنَّ الله تعالى مسح بيده على رأسه، وأنَّه هو المعني بقوله تعالى [الطور: 44].
[5] يزعم الخطابيّة ـ وهم أتباع أبي الخطاب الأسديّ ـ وهم خمس فِرَق، أنَّ المراد بالجنة نعيم الدنيا، وبالنار آلامها.
[6] يزعم عبيد الله الشبعيّ المُسمَّى بالمهديّ حين ملك إفريقيا، واستولى عليها، كان له صاحبان أحدهما يُسمَّى بـ (نصر الله) والآخر بـ (الفتح)، فكان يقول لهما: أنتما اللذان ذكركما الله في كتابه، فقال [النصر: 1].
[7] التَّفسير الصوفيّ النظريّ يرى صاحبه أنَّ كلّ ما تحمله الآية من المعاني هو المعنى الذي يراه، وليس وراءه معنى آخر. أمَّا الإشاريّ فلا يرى صاحبه ذلك؛ بل يقبل المعنى الظاهر المراد من الآية، ويرى أنَّ هناك معنى آخر أدقّ من هذا المعنى الظاهر، فمثلاً قوله تعالى [التوبة: 123]. فالنظريّ يقصر المعنى على قتال النفس فقط، والإشاريّ يقبل المعنى المراد من الآية الذي هو قتال الكفار، ويقول بقتال النفس.
4. أشهر كتب التفسير في العصر الحديث:
لقد أعطى المفسرون الأوائل كتب التفسير حظها من المنقول والمعقول، وتوافروا على المباحث اللغوية، والبلاغية، والنحوية، والفقهية والمذهبية والكونية الفلسفية ثم فترت الهمم، وجاء مَن بعدهم مختصرًا وناقلًا، أو مفندًا ومرجحًا.
فلما جاءت النهضة العلمية في العصر الحديث شملت فيما شملته "التفسير" أمثلة منه:
1- الجواهر في تفسير القرآن، للشيخ طنطاوي جوهري:
كان الشيخ طنطاوي جوهري مغرمًا بالعجائب الكونية، وكان مدرسًا بمدرسة دار العلوم في مصر، يفسِّر بعض آيات القرآن على طلبتها، كما كان يكتب في بعض الصحف، ثم خرج بمؤلفه في التفسير "الجواهر في تفسير القرآن".
2- تفسير المنار - للسيد محمد رشيد رضا:
لقد قام الشيخ محمد عبده بنهضة علمية مباركة، آتت ثمارها في تلاميذه، وترتكز هذه النهضة على الوعي الإسلامي، وإدراك مفاهيم الإسلام الاجتماعية، وعلاج هذا الدين لمشاكل الحياة المعاصرة، وبدأت نواة ذلك في حركة جمال الدين الأفغاني، الذي تتلمذ عليه الشيخ محمد عبده، وكان الشيخ محمد عبده يلقي دروسًا في التفسير بالجامع الأزهر، ولازمه كثير من طلابه ومريديه، وكان الشيخ رشيد ألزم الناس لهذه الدروس، وأحرصهم على تلقيها وضبطها، فكان بحقٍّ الوارث الأول لعلم الشيخ محمد عبده. فظهرت ثمرة ذلك في تفسيره المسمى بـ "تفسير القرآن الحكيم"، والمشهور بـ "تفسير المنار". نسبة إلى مجلة "المنار" التي كان يصدرها.
4- التفسير البياني للقرآن الكريم، لعائشة عبد الرحمن "بنت الشاطئ":
من نسائنا المعاصرات اللاتي أسهمن بنصيبهن في الأدب العربي والفكر الاجتماعي - الدكتورة عائشة عبد الرحمن، المشهورة بـ "بنت الشاطئ".
وقد تولت التدريس في كلية الآداب بالقاهرة، وفي كلية التربية للبنات. وتناولت في تدريسها تفسير بعض سور القرآن القصار. وطبعت ذلك في "التفسير البياني للقرآن".
الخاتمة
فهذه وقفات سريعة مع بعض المفسِّرين واتّجاهاتهم ومناهجهم في التَّفسير. والله أسأل التوفيق والسداد. وصلَّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه، وسلّم تسليماً كثيراً.



















المراجع

 . الإتقان في علوم القران, السيوطي. مكتبة دار التراث, القاهرة. الجزء: 4 ص: 216
 . الشيخ عثيمين . أصول التفسير. المكتبة العلمية
 المدخل إلى مناهج المفيرين, د. حسب الرسول العباس محمد. المكتية العلمية. ص: 8
 . جمهرة اللغة, ابن دريد. موقع الوراق. http://www.alwarraq.com
 . الأتقان في علوم القران, الإمام السيوطي. مكتية دار التراث القاهرة. الطبعة الأولى. 1328 هـ
 "التفسير والمفسرون, الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي. موقع مجمع الملك فهد لطباعة www.qurancomplex.com
 طبقات المفسرين, أحمد بن محمد الأدنروي .مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة .الطبعة الأولى ، 1997
 أيذج: على وزن أحمد، بلد بكردستان. وانظر ترجمة النّسفيّ في: الدرر الكامنة، 2/247، والفوائد البهية في تراجم الحنفية، ص 102.
 كتب التسعة, المكتية العلمية
 فتاوى ابن تيمية، 2/194. المكتبة العلمية
 كشف الظنون، حاجي خليفة 1/236.(المكتبة العلمية)
 مقدمة ابن خلدون، ص 491. المكتية العلمية
 القاموس المحيط. محمد بن يعقوب الفيروزآبادي. الجزء الأول. ص: 68